الأربعاء، 17 ديسمبر 2008

نهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاية


وقف وسط الشارع ... رفع يديه إلى السماء متخذًا وضع المصلوب، وأخذ يصيح بصوتٍ جهوري متهدج لم أكد أميز إن كان ثملاً أو واعيًا:" يـــــــــــا رب ... أنا جيت لك ... أنا جيت يــــــا رب ... مش عاوز حاجه من الدنيا ... مش عاوز فلوس ... مش عاوز نسوان ... مش عاوز حاجه ... عاوزك تقبلني ... حأقضي عمري ساجد لك يــــــــا رب... يـــــــــــــا أرحم الراحمين ارحمني واقبلني ..."


والغريب في الأمر أنه كان يمسك بسيجارة في يده اليمنى. أيقنت أنه كان ثملاً من طريقة مشيته وثقل لسانه... ثم وفي لحظة ظهرت سيارةٌ سوداء شقت ظلام الليل بنورها المبهر وسكونه بصوت آلة تنبيهها المرتفع وأطاحت به لأمتار ... طارت السيجارة من يده ... سقط على ظهره وظلت يداه مفرودتان في وضع المصلوب ... وهرب قائد السيارة، وحين ذهبت إليه محاولاً إنقاذه وجدته قد فارق الحياه، كما وجدت سبابته اليمنى تشير إلى المسجد...

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2008

الفريــسة



قاتلٌ أو سفاح هكذا كان يحلو له أن يصف نفسه في كل مرةٍ تراوده لاصطياد فريسةٍ جديدة... يقتل بدمٍ بارد ... يتلذذ بتعذيب ضحيته بعد قتلها حتى أنّه ربما يأكلها... لا يستطيع أن يحصي عدد ضحاياه ... لم يفكر يومًا أن يعدهم... صار كل همه أن يقتل منهم المزيد ... أدمن على هذه الهواية...


وذات فجرٍ جلس فوق صخرة يراقبها من بعيد في صمت ... تنكسر صورتها فوق صفحة المياه الشفافه فتثير في داخله شغفًا لا يطيق احتماله... لا يدري إن كانت نائمةً أو مستيقظة ... عيناها مفتوحتان ولكنها لا تتحرك ... يعكس لون ظهرها الأبيض شعاع الشمس منكسرًا فوق حركة المياه في ومضات تخطف البصر فيرتفع مستوى الأدرينالين في دمه فينتشي بذلك الإحساس الذي لايقاوم ... يتمنى أن يلمسها... أن يمسكها بين يديه ... أن يملكها ولكن هيهات ... فهي كالسراب ... يعلم جيدًا أنه إذا اقترب منها ربما لا يجدها ... أي حركة من ناحيته قد تذهب بها إلى الأبد... فلينتظر إذًا...


لا يَمَل ... جلس يراقبها ... ساكنةً تمامًا... كالملائكة كانت ...أشعل سيجارة وتمتم بصوتٍ خافت:" آه لوملكتك ..." ، "متى؟" ... لا يعرف لماذا يراوده هذا الشعور في كل مرة يتربص فيها بفريسةٍ جديدة !!... شعور الإنسان البدائي ... إنسان الكهوف ... سمع يومًا أن بداخلنا جميعًا هذا الجين المسئول عن شغفنا بالقنص، أو بمعنى أصح القتل، نتوارثه جيلاً بعد جيل منذ القِدَم... وها هو ذا يجلس متحينًا الفرصة لِيُجهِزَ عليها وينتزع روحها...


مرت الدقائق تلو الأخرى وها هي تتحرك ببطئ ... يبدو أنها كانت نائمة ... تخيل أنها رأته فلمعت عيناه بنظرة حبٍّ ورجاء... أشاحت بوجهها بعيدًا عنه واستدارت سائرة في الاتجاه المعاكس ... مشت مبتعده فانخلع قلبه وهو يراها ترحل... ثم زفر بارتياح حين رآها تلتف عائدةً باتجاهه ... إنها تنظر إليه هذه المرة ... لقد رق قلبها إليه أخيرًا ... أدرك أنه خدعها بنظراته الحانية ... اقتربت منه فاعتدل في جلسته منتبهًا بكل جوارحه ... اقتربت أكثر فالقى سيجارته المشتعلة في الماء وتمتم :"هيا ... تعالي ..." ، اقتربت أكثر فابتسم ابتسامة المنتصر حين أدرك أنها ابتلعت الطعم، وفي حركة سريعة لا تخلو من استعراضٍ للقوة والنصر جذب سنارته من الماء صائحًا: " لقد انتظرتك أكثر مما ينبغي... أيها السمكة العنيدة ...".