الاثنين، 12 مايو 2008

نوستالجيا



ناما ونسيا التلفاز مفتوحًا على قناةٍ إخبارية... كانت مذيعة الأخبار تذيع أخبارًا عن الحرب...

ويرن الهاتف في السادسة صباحًا..

"ألو .. ماما.." .... يصمت لثواني... "البقاء لله" ... يضع السماعة ... يسقط على الفراش... يشعر كأن الأرض تدور من حوله ... وأنه أصبح مركز الحزن في هذا الكون... يغمض عينيه... تنساب على خده دمعة... يشعر بذراعي زوجته تلتف حوله لتواسيه... ينظر إليها بحيرة... لا يدري ماذا سيفعل... يشعر كأنه طفل صغير تائه في حديقة عامة... جده كان رمزًا بالنسبة له ... ليس مجرد "جد" ...


وهو في سيارته متجهًا إلى مسقط رأسه في المدينة الساحلية الصغيرة توقفه الشرطة، فقد تجاوز السرعة القصوى... كان يريد أن يقبل رأس جده ... ينظر الضابط إلي عينيه المغرورقتان بالدموع واللتان تحيط بهما هالتان سوداوتان... وإلى زوجته المتشحة بالسواد أيضًا ... ينظر في رخصة قيادته ... يقول له"البقاء لله" ويدعه يكمل طريقه...


وعندما يصل ... يشعر كأنه دمية تتحرك في مسرح للعرائس... لا إرادة له... يتوافد المعزون إلى منزل جده الخشبي القديم على ساحل البحر ... يأخذه قريبٌ له ويدخله إلى غرفة جده فيجده مسجىً في فراشه وقد بدأوا يُغَسِّلونه... لاحظ أ ن جده وجهه مبيضًّا ... يلثم جبهته بقبلةٍ طويلة وتبلل دموعه خد الجد...يأوي إلى ركن من أركان الغرفة، ويضع يده على فمه يريد أن يكتم دموعه... يتمتم بدعوات مكبوتة، ثم ينزلق حتى يجلس على الأرض... ويضع رأسه بين ركبتيه... وتتداعى إلى مخيلته ذكريات ... شريط حياته..

وبعد مراسم الجنازة والعزاء تعود الأسرة إلى البيت الكبير ... الكبار والصغار... تعوّدوا أن يجتمعوا دائمًا في الأفراح والأحزان... يَهُزُّه حنين إلى جده يخلع قلبه... يترك الجميع ويخرج إلى الشرفة خارج البيت...صوت وقع أقدامه فوق الأرضية الخشبية كأنه صوت الزمن ... كل خطوة كأنها عشر سنوات ... تذكَّرَ أنه رأى في الحلم أنه في قصرٍ منيف ولما سأل أمه لِمَن هذا القصر؟ قالت: "أنه قصر جدك"... فترقرقت عيناه بدمعةٍ ولكن هذه المرة صحبتها ابتسامة...

وفي الصباح ... تفتح زوجته الستائر فيتسلل شعاع النور ليضيء الغرفة وتفتح نافذة الغرفة فتشعر بنسمة من الهواء تنساب إلى خارج النافذة ... وحينما توقظه تجده وقد مات... مات ولم يُنجب بعد!!!...

وكانت مذيعة الأخبار مازالت تذيع أخبارًا عن الحرب حين استيقظ من النوم وفوق عينيه دمعةً تحجرت...

ليست هناك تعليقات: